إنّه في غاية الصعوبة أن يقوم المرء من أجب مبلغ زهيد بقطع مسافة 14 فرسخاً في المطر والشمس الحارقة، ناهيك عن علف حماره. ولعل القارئ يعتقد أن ذاك الإنسان المسكين لا يدفع ضريبة، فليعلم أنه على خطأ لأنّه لم يتعرف على تركيا "المتحضرة".
إن هذا الحطّاب يدفع عند عبوره منطقة ديالى (شرق العراق) عشرين بارة في الذهاب والإياب أي ما يساوي قرشاً، ويدفع مثل ذلك عند عبوره باب المدينة كضريبة، فلا يبقى عنده عند بيع الحطب إلا سبع بارات وللرجل أسرته ودابته. هل يحتاج هذا المثال إلى شرح أكثر؟ إنّه ظهر المجن للحالة الاجتماعية في تركيا، فالوجه هو اسطنبول التي تمتص كل شيء ولا تضخ شيئاً ناهيك عن القصور الأنيقة على البوسفور ..
إن نفسي تتقزز من البوسفور بقصوره وسرادقه ورخامه وذهبه وكل مظاهر الغنى الخليعة التي لا تجد للفن فيها إلّا النزر القليل .. أما الأمواج الزرقاء التي تتهادى في تلك القناة الفريدة فهي في نظري ليست سوى دموع ملايين البشر الذين قدموا فلساً بعد فلس فكانت هذه المسوخ الكئيبة.
.
الرحالة الفرنسي لجان في العراق، عام 1866
Tags:
تاريخ