العالم متأثر جدا برحيل الملكة إليزابيث الثانية، رغم أن معرفتنا بها قد تكون محدودة جدا، شذرات من هنا وهناك، لقطات من الأخبار، مشاهد في أفلام، صور حديثة أو قديمة لها، فقرات عنها في جريدة أو كتاب هنا أو هناك. والجدل دائر حول تأثير الملكة إليزابيث وتأثير المستعمر البريطاني في مصائر عشرات الدول والشعوب التي عانت تحت حكم المستعمر، لكن يبقى التأثر والتعاطف أكبر وأعلى صوتا بكثير،
والمسألة ليست لها علاقة مباشرة بشخصية الملكة "إليزابيث" نفسها -والتي لا نعرف عنها الكثير في الحقيقة- وإنما لها علاقة وثيقة بالصورة الذهنية لكل ما هو "ملكي" Royal في المخيلة الجمعية البشرية. طوال الوقت والإنسان العادي يرى الأمراء والملوك كجزء من عالم آخر، عالم خيالي ساحر، غامض، ومليئ بالقصص والحكايات والأسرار، مثل عالم "سيندريلا" بالضبط، عالم حالم، ومليئ بالأضواء، والمجد، والرفاهية، والنعومة، عالم الأميرات والأمراء شديدي الوسامة، نابضين بالسحر، مبتسمين دائما ويقضون
طول الوقت، كما نراهم في اللقطات المختارة بعناية، صعب جدا أن ترى صورة لأمير أو أميرة وهو يعاني أو وهي تعاني، هذه الصورة الساحرة تأسرنا بشدة، تجعلنا نريد أن نؤمن بأن هناك على هذه الأرض "جنة" حقيقية، عالم حقيقي "سعيد"، عالم حقيقي فيه "سعادة أبدية" حقيقية، أن نؤمن بأن "سندريلا" موجودة وسعيدة ومطمئنة وشابة للأبد، وأنها بعد أن وجدت الأمير الوسيم، بالفعل عاشوا سويا في "تبات ونبات" للأبد. وجود هذه الأسطورة ومحاولة إيماننا بها، شيئ مهم جدا نستخدمه كحيلة دفاعية ضمن الحيل التي تجعلنا نحتمل حياتنا على الأرض، لا يمكن للإنسان مهما كان إيمانه وصبره وقوته أن يتحمل حياته القاسية بكل ما بها من مشاكل ومنغصات دون أن يحاول أن يضع أمامه نماذج -حتى ولو غير حقيقية- تجعله دائما ينظر إليها، متأملا إياها في سعادة، ومحاولا أن يرى نفسه فيها، بشكل أو بآخر، كم فتاة وكم فتى حاولوا أن يجعلوا ليلة العمر -ليلة الزفاف- مثل ليلة ملكية فاخرة، هو كالأمير وهي كالأميرة في موكب ملكي كل العيون مسلطة عليهم وهما يرقصان رقصتهما الأنيقة قبل أن يجلسا على مقعد أنيق أشبه بالعرش؟
. لدى البشر دائما هذا الحنين للحياة السعيدة المتألقة، دون آلام ودون ظلم ودون فقر ودون مرض ودون احتياج. لذلك هناك رابط وثيق بيننا وبين العائلات الملكية،
لا نريد أن نعرف عن مشاكلهم، ولا نريد أن نعرف عن آلامهم، فقط نريد أن نرى صورهم اللامعة البراقة الخيالية المتجاوزة للعالم الواقعي بمشاكله، نريد أن نؤمن بأن السعادة موجودة، بأن الجمال موجود، بأن الرقي موجود، بأن البشر كائنات براقة جميلة وسعيدة، وليست حبيسة للأبد داخل عالم تعيس.
