بداية انحطاط الدولة العباسية و بداية النهاية






 سقوط الخلافة العباسية فى بغداد على يد المغول ١٢٥٨م

- في سنة 1258 م سقطت بغداد بيد هولاكو خان و انتهت بذلك حقبة زاهرة من التاريخ العربي ، و بعد سقوط الحضارة العباسية دخلت المنطقة في طور من الركود الحضاري و تخلفت مع الوقت عن اللحاق بركب الحضارة في مواجهة أوروبا الصاعدة بقوة...
- تقديم :
- مدينة بغداد ، آخر عاصمة لخلافة قريش ، اسسها أبو جعفر المنصور لتكون عاصمة العالم ، تعد هذه الدولة العباسية امتداد للامبراطورية العربية التي تأسست انطلاقا من شبه جزيرة العرب ، تم انتقلت فيما بعد إلى الشام لتستقر في بغداد ، كانت الدولة العباسية في بدايتها عبارة عن إمبراطورية مترامية الأطراف تتربع على عرش الأمم في زمانها ، لكن سنة التاريخ تقول بأن للدول اعمارا كالبشر كما صرح بذلك ابن خلدون ، و قد وصلت الدولة إلى مرحلة الهرم أثناء خروج جنكيز خان من سهوب منغوليا...
- العباسيون و شعوب الشرق :
- كانت علاقة العباسييين بالشرق قديمة ، فبمجرد أن تأسست الدولة و قبل بناء العاصمة بغداد أعلنت الصين الحرب على العرب ، فتقدم جيش صيني يتكون من مائة ألف جندي نحو منطقة وسط آسيا التي كانت خاضعة للعرب و بدأوا في احتلال الممالك التركية و ازالة الملوك الموالين للعباسيين و تنصيب ملوك موالين للصين ، لكن هذه الحملة المتهورة انتهت بسحق الجيش الصيني في معركة طالاس مما دفع الصين إلى عدم التفكير في غزو العرب مرة أخرى ...
- لعب الأتراك دورا محوريا في الجيش العباسي ، فقد كان هذا الجيش في بدايته مكونا من العرب أصحاب الدولة و الفرس ، لكن الخلفاء بدأوا في إقصاء العرب من بني جلدتهم لخوفهم من مصير بني أمية و حتى يامنوا عدم مطالبة اي عربي من سلالة علي أو معاوية بالعرش اعتمادا على العصبية العربية في الجيش ، ثم بدأوا بإزالة الفرس أيضا لمعرفتهم بماضيهم الإمبراطوري و تطلعهم لاحياء مملكة ساسان ، و لذلك أكثر الخلفاء من شراء المماليك من الترك الذين كانوا في أعين العرب مجرد برابرة اجلاف يصلحون للقتال فقط و لا يعرفون شيئا عن السياسة و ادارة الممالك...
- تسببت سياسة العباسيين في نزوح الآلاف من الشعوب التركية من الشرق نحو بلاد العرب ، و قد تغلغلت هذه الشعوب وسط الجهاز الحاكم الذي اصبح خاضعا لارادتها
- بداية انحطاط الدولة العباسية :
- يرى ابن خلدون أن للدول اعمارا كالبشر ، حيث تكون هناك مرحلة النمو و الفتوة التي تبدأ بالبداوة ، ثم مرحلة الأوج التي تصل فيها الدولة إلى قمة الحضارة ، تم تليها مرحلة الهرم التي تحصل بسبب الإسراف في مباهج الحضارة و ترك القتال و الغزو...و هذا ما حصل لدولة بني العباس التي تمثل أوج الحضارة العربية و بداية سقوطها...
- و في نفس الصدد يرى مكيافيلي أن الدولة التي تتخلى عن العنصر المؤسس في جيشها و تستعين بمرتزقة من قومية غير قوميتها فإن مصيرها السقوط لأن المرتزق الأجنبي لا تهمه سوى مصلحته الشخصية و لا تربطه اي عاطفة قومية مع تلك الدولة الاجنبية التي استخدمته ، و هذا ما وقع للرومان عندما استبدلوا العناصر الرومانية الاصيلة بالعناصر الجرمانية التي قامت بالانقلاب على الإمبراطور و غزو روما ، و هذا ما وقع للامبراطورية العربية التي تخلت عن العنصر العربي المؤسس و استبدلته بالعنصر التركي ، و كل ما كان يهم القادة الأتراك هو تحقيق أكبر قدر من الربح المادي و الثروات الطائلة بينما تركوا حدود الدولة عرضة للغزوات الاجنبية
- تعرضت الدولة العباسية لغزوات تركية منظمة ، فبداية مع خضوع الخليفة لرغبات القادة الأتراك ، مرورا بالغزو السلجوقي فالخوارزمي ، و اصبح الخليفة العربي هنا كالامبراطور الروماني في آخر أيامه ، حيث كانت سياسة العباسيين تقوم على ضرب الشعوب التركية بعضها ببعض ، فاذا استقوى شعب تركي و طمح إلى تهديد مركز الخلافة استدعى العباسيون شعبا آخر لضربه...
- العلاقة مع المغول :
- يعد شعب المغول آخر الشعوب التركية التي غزت المنطقة ، فبعد أن تمكن تيموجين من توحيد شعوب التتار و المغول و الترك شمال الصين في دولة واحدة ، ذاع صيته ووصلت اخباره إلى الخليفة العباسي الذي استدعاه للقضاء على دولة خوارزم التي كان سلطانها يهدد بازالة الخلافة العباسية ، مما اعطى شرعية للغزو المغولي لوسط آسيا خاصة و أن جنكيز خان كان يريد الانتقام من سلطان خوارزم الذي غدر به و سرق أمواله و قتل رسله ، و عندما تمكن الخان من احتلال المنطقة ضرب نقودا تحمل اسم الخليفة العباسي كنوع من التبعية الرمزية لبغداد (يرجى العودة إلى المنشور الذي يتحدث عن العملات العربية التي ضربت في عهد جنكيز خان)
- بعد وفاة جنكيز خان تولى ابنه اوغداي ، لقد انشغل المغول في عهده باتمام فتح الصين و غزو أوروبا و تدمير مملكة المجر فلم تكن هناك وقائع مهمة في المشرق العربي ، و بعد وفاته مباشرة تمكن القائد بايجو نويان من الانتصار على السلاجقة و اخضاع الأناضول لسيادة المغول ، و بهذا أصبح المغول يحيطون بالدولة العباسية من الشمال و الشرق .
- الهجوم المغولي على بغداد :
- بعد فترة من الصراعات داخل العاصمة المغولية تولى مونكو خان إدارة الإمبراطورية ، و قرر هذا الملك أن يبعث أخاه هولاكو خان لاخضاع الشرق الأوسط لسلطة المغول ، و كان هدفه الأول هو القضاء على الحشاشين في إيران ردا على محاولتهم لاغتيال الخان ، و بعد ذلك يقوم هولاكو باحتلال عاصمة الحضارة العربية لاخضاع المنطقة لسيادة المغول...
- بعد وصول هولاكو إلى المنطقة بعث إلى الخليفة العباسي يطلب المدد للقضاء على الحشاشين ، لكن الخليفة رفض ذلك مما جعل هولاكو يسرها في نفسه ، و بعد أن فرغ هولاكو خان من أمر الحشاشين ارسل إلى الخليفة العباسي يأمره بتدمير حصون بغداد و اسوارها و إعلان التبعية للمغول ، لكن المستعصم رفض ذلك و رد عليه برسالة مفادها :
«أيُّهَا الشَّابُ الحَدَث! المُتَمَنِّي قِصْرَ العُمْر، وَمَن ظَنَّ نَفْسَهُ مُحِيطًا وَمُتَغَلِّبًا عَلَى جَمِيْعِ العَالَمِ، مُغتَرًّا بِيَومَينِ مِنَ الإِقْبَالِ........أَلَا يَعْلَمُ الأَمِيْرُ أَنَّهُ مِنَ الشَّرقِ إِلَى الغَربِ، وَمِنَ المُلُوكِ إِلَى الشَّحَّاذِينِ، وَمِنَ الشُّيُوخِ إِلَى الشَّبَابِ مِمَّن يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَيَعْمَلُونَ بِالدِّينِ، كُلُّهُم عَبِيدُ هَذا البَلَاطِ وَجُنُودٌ لِي. إِنَّنِي حِينِمِا أُشِيرُ بِجَمعِ الشَّتَاتِ، سَأَبدَأُ بِحَسْمِ الأُمُورِ فِي إِيرَانَ، ثُمَّ سَأَتَوَجَّهُ مِنهَا إِلَى بِلَادِ طُورَانَ، وَأَضَعُ كُلَّ شَخصٍ فِي مَوضِعِهِ....خُصُوصًا وَإِنَّنِي مَعَ الخَاقَانِ وَهُولَاكُو خَان، قَلبٌ وَاحِدٌ وَلِسَانٌ وَاحِدٌ.......إنَّ لِي أُلُوفًا مُؤلَّفَةً مِنَ الفُرسَانِ وَالرِّجَّالة.. وَهُم مُتَأَهِبُونَ لَلقِتَالِ»
- بعد ان قرأ الخان رسالة الخليفة التي يهدده فيها بغزو بلاد المغول و تعيين حكام عليها من قبله استشاظ غضبا و عزم على غزو بغداد ، و كان في هذه المدينة معسكرين ، معسكر بقيادة القائد التركي مجاهد الدين ايبك الذي كان يدعوا لقتال التتار ، و فرقة اخرى بقيادة الوزير العربي ابن العلقمي الذي نصح الخليفة بموادعة المغول بسبب قوتهم الهائلة و التي لا قبل للعباسيين بها ، لكن الخليفة كان يميل إلى رأي ايبك...
- في سنة 1257 م كان الجيش الشاهنشاهي قد تحرك نحو العراق ، و قد وصلت طلائعه إلى بلاد الأكراد الذين فروا إلى الجبال بعد أن تعرضوا للابادة من طرف المغول ، ثم استمر هؤلاء في الزحف نحو بغداد ، و في طريقه نحو العراق استدعى هولاكو القائد بايجو نويان الذي قاد جيشا قادما من الأناضول يضم آلاف المسلمين من الاتراك من السلاجقة و غيرهم ، و للاشارة فقد شارك افراد من قبيلة الكايي التي أسست الدولة العثمانية في اقتحام بغداد ، و كان ارطغول في ذلك الحين تابعا للمغول و أحد قادتهم...
- خرج الجيش العباسي لملاقات مقدمة المغول و تمكن القائد مجاهد الدين من الانتصار على القائدين بوقا تيمور و سنجاق الذين فرا ليلتحقا ببايجو نويان ، تريث القائد نويان و ترك العرب يحتفلون بنصرهم ثم اطلق عليهم مياه النهر التي حاصرتهم ، آنذاك ارتد المغول على العرب في هجوم مضاد و تمكنوا من تدمير جيشهم و نجا القائد مجاهد الدين بصعوبة من سيوف المغول...
- في تلك الأثناء وصل الجيش الرئيسي بقيادة هولاكو و انضم اليه بايجو نويان لحصار بغداد ، نصبت المنجنيقات حول المدينة التي امطرها رماة المغول بالحجارة و النار ، و قد قام الأمراء المسلمون بتوفير هذه المنجنيقات بطلب من هولاكو، و قدر عدد الجيش المغولي المحاصر للمدينة بأكثر من ربع مليون جندي و كان يتكون من المغول و الصينيين و الفرس و الترك بالاضافة إلى آلاف المسلمين الذين ساهموا بدورهم في اقتحام بغداد بينما كان الجيش المدافع عن المدينة لا يتعدى عدده تمانين ألف جندي في أفضل الأحوال...
- اقتحام المدينة :
- جرى اقتحام بغداد بسبب خيانة وقعت داخل المدينة ،حيث عرف عن المغول شراءهم لذمم السياسيين و تحالفهم مع الاقليات ، و قد اشار بعض المؤرخين إلى خيانة ابن العلقمي الشيعي، لكنهم تجاهلو خيانة الأتراك السنة للخليفة حيث تواصل هؤلاء سرا مع المغول ووعدوهم بتسليم المدينة ، و بعد أن تم اسر الخليفة و حاشيته و اعدامهم تسرب المغول داخل البلد كالذئاب الجائعة و انطلقت حملات الاغتصاب و القتل الجماعي ، و قدر عدد القتلى في تلك الأيام العصيبة بأكثر من مليون انسان، و يقول ابن كثير في هذا الصدد :
«... وَدَخَلَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي الْآبَارِ وَأَمَاكِنِ الْحُشُوشِ، وَقُنِيِّ الْوَسَخِ، وَكَمَنُوا كَذَلِكَ أَيَّامًا لَا يَظْهَرُونَ، وَكَانَ الْفِئَامُ مِنَ النَّاسِ يَجْتَمِعُونَ فِي الْخَانَاتِ، وَيُغْلِقُونَ عَلَيْهِمُ الْأَبْوَابَ، فَتَفْتَحُهَا التَّتَارُ إِمَّا بِالْكَسْرِ أَوْ بِالنَّارِ، ثُمَّ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ فَيَهْرُبُونَ مِنْهُمْ إِلَى أَعَالِي الْمَكَانِ، فَيَقْتُلُونَهُمْ فِي الْأَسْطِحَةِ، حَتَّى تَجْرِيَ الْمَيَازِيبُ مِنَ الدِّمَاءِ فِي الْأَزِقَّةِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ...»
- ثم قام المغول بتخريب أكبر مكتبة في العالم آنذاك ، معلنين بذلك نهاية الحضارة العربية التي قامت على ترجمة الكتب الاغريقية و الفارسية و الهندية النادرة و تجميع جميع علوم الأرض في بغداد التي كانت تعد العاصمة العلمية للعالم ، لكن الكثير من الكتب قد تم تهريبها إلى بلاد فارس حيث بنيت مكتبة عظيمة هناك ، و يرى ابن تيمية أن المغول لم يتلفوا الكتب العربية بل استولوا عليها و استفادوا منها ، لأنهم كانوا يعرفون قيمة العلم و العلماء ، و انما اتلفوا كتب الدين و الفقه لأنها بدون فائدة...
- بعد سقوط المدينة بيد المغول لم تقم لها قائمة بعد ذلك ، فبعد أن كانت بغداد مدينة مليونية ضخمة تحولت بعد الغزو المغولي إلى قرية خربة مهجورة ، و سقط الشرق كله في دوامة من الركود العلمي و الحضاري و لم يستيقظ مجددا حتى وصول حملة نابليون إلى مصر...
- مراجع :
- البداية والنهاية...ابن كثير
- الأمير...مكيافيلي
- حضارة العرب....غوستاف لوبون
- تاريخ الشعوب الإسلامية ....كارل بروك

Media center total solutions of content and raw wiki information source - The hulk library of knowledge world wide - sound library - Books library

bitcoin , reads , books , cord blood , attorneys , lawyers , domestic , local services , offshore companies , offshore lawyers , beyond the seas business , laws , enactions , jungle , ameriican eagle , america business , gas, gasoline , petrol , burn , films , new movies , stars , hollywood , stationary , offices , federal law , states divisions

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال